محتوى بالعربي

فلسفة الأخذ والعطاء في القرآن الكريم

محتوى بالعربي

فلسفة الأخذ والعطاء في القرآن الكريم
=======================
ذكر الإمام ابن تيمية في كتابه (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) نبذة مختصرة عن أهل الصفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إنهم القادمون إلى المدينة لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم ـــ ولم يكن منهم أحد من الأنصارـــ ولم يكن لهم منزلا عند أحد من إخوانهم أو أقرائهم ، فكانوا يجلسون في المسجد يزيدون ويقلون حسب ما يتيسر لهم من سبل الكسب والعيش، ولم يكن منهم كذلك كبار الصحابة .. ومن أمثلتهم (العرانيين) الذين قدموا المدينة فاكتووا وعظمت بطونهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها.
وكان منهم كذلك (سعد بن أبي وقاص) وأبو هريرة رضي الله عنهم وغيرهم.
والشاهد من الحديث أن هؤلاء الصحابة كانوا يقلون ويكثرون حسب ما يستطيعوا من سبل التكسب والعيش، ولم يكونوا عالة على المجتمع المسلم بحسب ما يتبادر فهمه للبعض، والأمثلة التي ذكرناها: أما أبوهريرة رضي الله عنه فقد كان كما ذكر رضي الله عنه يصحب النبي صلى الله عليه وسلم على ملء بطنه من طعام حيث لم يكن صاحب تجارة كالمهاجرين، ولا صاحب زرع كالأنصار، وكان يتفرغ لسماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر المبلغين عنه بعد موته.
وأما سعد رضي الله عنه: فلقد أكتسب مالا كثيرا حتى استأذن النبي صلى لله عليه وسلم أن يوصي بنصف ماله، فقال له النبي : "الثلث والثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خيرا من أن تتركهم عالة يتكففون الناس"، وهذا أيضا شاهد يحض على الكسب وإحراز المال الحلال للانتفاع به "نعم المال الصالح للعبد الصالح".
وأما عفة عبدالرحمن ابن عوف رضي الله عنه فمضرب المثل، إذ قال لصاحبه: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق، وهذا رغم أنه قدم المدينة لم يكن يملك من الدنيا شيئا، لكنه كان رجلا تاجرا ماهرا عالما بالتجارة ، فلم يشأ أن يلحق بالصفة أو يتعول على أحد طالما في عقله ونفسه غنى.
وكذلك حديث السائل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله ، فلما رأى منه جلدا وقوة صنع له قادوما وقال: اذهب واحتطب وبع ولا أرينّك خمسة عشر يوما، ثم أتاه الرجل بعدها مستغنيا لا سائلا فقال صلى الله عليه وسلم : هذا خيرا من أن يسأل الناس فيعطوه أو يمنعوه.
ونخلص مما سبق إلى عدة ضوابط وضعها النبي صلى الله عليه وسلم للمجتمع المسلم في حد المسألة بالإضافة إلى حديث قبيصة بن مخارق الهلالي الذي قال له : إن المسألة لا تحل إلا لإحدى ثلاث:
هذه الضوابط منها: 
أن صاحب الحرفة أو المهنة لا يحق له أن يسأل الناس ولا أن ياخذ من مال الزكاة ــــ طالما وصل حد الكفاف ــــ أما أن تصنف الجمعيات الخيرية أصحاب المهن والحرف على أنهم (يشتغل بكتفه) ولا يستكف، فماذا ترك هذا للمعدم والمسكين والفقير؟!
كذا أن من يٌرى فيه جلدا وقوة ــ كما صنع صلى الله عليه وسلم ـــ الأولى أن يوجه ويعاون على الكسب بطريقة معفة، يكسب فيها رزقه ويكف نفسه وعياله، هذا خير من أن يُعطى ثم يُعطى ثم يصير عالة على المجتمع المسلم، وصورة شائنة لحال المسلمين، ثم يورث أولاده من بعده ذل المسألة.
كيف تتسع دائرة المنتفعين من الجمعيات الخيرية سنويا وقد ذكرنا أن أهل الصفة لم يكونوا دائمين يزيدون ويقلون ويتغيرون حسب القادم من خارج المدينة وليس من داخلها؟، فكيف يحدث ذلك إلا أن تكون المسألة صارت إلفا للعامة وحقا مكتسبا مع الأيام لا يجدون فيها غضاضة ولا انتقاصا من حقهم الإنساني مع أن النبي صىل الله عليه وسلم ذكر أن السائل يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم من أثر المسألة.
اتساع دائرة المنتفعين علامة موذنة بالسوء، إذ تؤشر على سلبية المجتمع (المعطي والآخذ)، ونبذ هذا النموذج المستغني "ومن يستغن يغنه الله ، ومن يستعفف يعفه الله " والأولى أن دائرة الانتفاع تتقلص سنويا خاصة من أبناء البلد الواحد (غير القادمين من خارجه)، وأن يصير سائل اليوم معطي الغد، وأن ينشأ الناشئة على حد العفة والاستغناء، لا في كنف المسألة والاستجداء.
التراجع البيّن لمنظومة القيم الاجتماعية على كثير من المستويات، وخاصة القيم (الإسلامية)، فأين صورة هذا المسلم المستعف الذي وسمه القرآن بقوله " لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)"البقرة.
فضيلة الاستغناء لا تتأتى أبدا من وفرة الأموال ولا توزيعها على الناس، لكنها لا تتحقق إلا من القناعة ، فالنفس تواقة متطلعة للمزيد كما قال صلى الله عليه وسلم "لوكان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" (متفق عليه). وكما قيل : والنفس راغبة إذا رغبتها .. وإن ترد إلى قليل تقنع.
لابد من نشر توعية وثقافة الأخذ والمسألة وتعليمها للمجتمع المسلم في رمضان وفي غير رمضان لتغيير نمطية هذه الصورة السلبية التي لا تصنع مجتمعا منتجا ناجحا عالما إيجابيا، مسلما كما شرع الله لا كما يشهد لنفسه في بعض عبارات أو أفعال يصيب بعضها ويخطئ أكثرها، فأين حديث النبي المربي الذي يقول فيه "من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا" (رواه الترمذي وابن ماجة، وصححه الألباني)، فهل حقق المجتمع المسلم هذه الفضيلة التي يقارب أو يسوي النبي صلى الله عليه وسلم بين حد الكفاف وأغنى الأغنياء؟!
وأخيرا.. هذا المجتمع الأولي النموذجي الذي أمرنا بالاقتداء به والتأسي بعلمه وعمله يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكون المسألة ومتى تحل، من حديث قبيصة..  ثُمَّ قَالَ: " يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا" (رواه مسلم ).. وليقف كل ذي عقل (المانح والآخذ) عند قوله "ثم يمسك" ليعلم الجميع أن هناك حدا للسؤال والإمساك.

او قم بنسخ الرابط وانشرة اينما كان
محتوى بالعربي

هذا المحتوى ملك للمسؤول
arab-blog.com موقع

© arab-blog.com. كل الحقوق تعود الى محتوى بالعربي. صمم ل محتوى بالعربي