الاتكاء على العوض الإلهي في الدنيا والآخرة

"بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"..
=============================
هذا تعقيب لنتيجة مترتبة على سبب، وترسيخ لمعنى من معاني الإصلاح الاجتماعي، ونبذ ما يترتب على العمل المنهي عنه من مداخلات النفوس، وإثارة الضغن بينها، وتربص بعضها ببعض حين يبغي بعضها على مال بعض، ويبخس بعضها حق بعض ..
فنهاهم سبحانه عن تطفيف الكيل والميزان، وعن بخس الناس أشياءهم مهما كان قدرها، ثم جلى لهم خيرية موعوده لهم على ما ياتمرون به من فضائل هذا العمل، واجابة النداء، وسهولة الامتثال للأمر.. وهو (بقيت الله).
والبقية المعهودة هي (بقية ) بالتاء المربوطة، لكن الحق تعالى كأنه قد أراد أن يبين لهم أن ما ينتظرهم من هذا العمل مفتوح الأجر غير متقيد بلون سواء في المال أو الأهل ، وسواء كذلك في الدنيا والآخرة.
ثم نسب البقية له سبحانه (بقيت الله) إيحاء إلى أن عطاء الله المترتب كذلك يكون على قدر المعطي، لا على قدر العمل أوقيمته، إنما جزاؤه في غالبه يكون (بغير حساب)، كما هو معلوم، وهو سبحانه يشكر القليل من العمل، ويغفر الكثير من الزلل.
كذلك ارتبطت البقية دوما بالشيء الثمين النفيس مما جاء في قوله:
" وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون .. ويبقى وجه ربك ذو الجلال.. والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا.. "
وقول الشاعرئد:
حنانيك فاستبق بعضنا .. فبعض الشر أهون من بعض.
كما أن من مقتضيات العقل والعرف الاجتماعي ان أخذ الأموال بحقها، وترك ما ليس بحق، واقتصار كل فرد على أن يأخذ ما له، وأن يدفع ماعليه مما يؤلف النفوس وتجتمع معه القلوب، وينصلح به اجتماع البشر فيما بينهم، كما يملى للنماء المالى والصلاح الاجتماعي، ويؤسس لمكتسبات الحضارة الراشدة، والرقي الأخلاقي المثمر.
كما جعل سبحانه هذا الامتثال مع العمل من علامات (المؤمنين) فلا يحرص على هذا النمط من الإصلاح، ولا يمتثل لهذا الأمر الإلهي طائعا إلا من استقر الإيمان في قلبه، فهان عليه في ذات الله كل ما كان بغير حق، بل وما هو حق إن أمر بذلك.
وقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يشدد ويؤكد على حرمة الدماء والأموال  والأعراض، ويضع كل ما كان من ذلك من أمر الجاهلية.
فيقول: كل دم في الجاهلية موضوع تحت قدمي هذا، وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هذا.
هنا.. وهنا فقط تتحقق خاصية الإيمان وصفته كما أراد الله لها أن تكون، لا كما زعمتها الحضارة الغربية الحديثة الربوية والجنسية الساقطة.
اللهم حقق في قلوبنا الإيمان وتوفنا عليه غير مضيعين.