أحمد زويل وهدم نظرية الشعبوية

تهيئة :

من الأمثال الشعبوية التي تجري على السنة المصريين خاصة والعرب عامة "من زرع حصد" و "من جد وجد" و "استمرارية السعي تقتضي حتمية الوصول"

مقدمة:

يكثر حديث التنمية البشرية عن مقولات كثيرة تؤكد (النظرية الشعبوية)

لكن. .العالم المصري الأصل الأمريكي الجنسية الحائز جائزة "نوبل" البروفيسور أحمد زويل تحدث في المقابل عن مبدأ آخر، في عوامل النجاح، وهو أن النجاح يحتاج إلى بيئة داعمه لمن يسعى إلى النجاح .

 فبدون هذه البيئة الداعمة للنماذج المتفوقة علميا، يصبح السعي وعدم السعي سواء.  والاستثناء خارج هذا المبدأ، أمر لا يقاس عليه.

قراءة في كتاب (عصر العلم):

أولا:

في كتابه الفريد (عصر العلم) يصف البروفيسور أحمد زويل الحجرة  التي من المفترض أن تكون مكتبا لأستاذه البروفيسورد. سمير العزبي الذي كان عائدا لتوه من بعثة للولايات المتحدة الأمريكية، في هذا التوقيت، كان البروفيسور أحمد زويل لايزال معيدا في كلية العلوم جامعة الإسكندرية، وهو يصف المكتب الذي جهزته الجامعة وخصصته لأستاذه البروفيسور د. سمير العزبي بقوله: "كانت حجرة بالغة القذارة يصعب تصورها، كانت مخزناً للمهملات واتخذتها القوارض ملاذاً لها، قمنا بتنظيفها وحشرنا فيها مكتبا لدكتور سمير وكرسيين!".

ثانيا:

ولأن البروفيسور أحمد زويل ارتبط بأساتذته في كلية العلوم جامعة الإسكندرية (الدكاترة : سمير ورأفت ويحيى) اللذين سافروا ودرسوا في أمريكا في جامعات بنسلفانيا ويوتا وغيرها .. فقد شجعه هذا أن يبدأ في إجراءات السفر واستكمال دراسته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تلقى دعما مباشرا من الدكاترة، دكتور سمير ودكتور رأفت ودكتور يحيى، الثلاثة قاموا بكتابة توصيات تزكية للدكتور أحمد زويل بعد استكماله طلبات الحصول على الماجيستير من كلية العلوم جامعة الإسكندرية سنة 1968 ..

ثالثا:

وصل خطاب للدكتور أحمد زويل في أبريل سنة ١٩٦٩ من جامعة بنسلفانيا في فيلاديلفيا، وفيه: "توصي لجنة الدراسات العليا في قسم الكيمياء بالجامعة بقبولك، على أن تبدأ الدراسة في ٢٥ أغسطس من سنة ١٩٦٩"

يصف دكتور احمد زويل لحظات قرأته الجواب " بأن مشاعره اهتزت وهو ممسك بالخطاب لأنه  كما يقول... أصبح على وشك الدراسة في أعظم مختبرات وأعظم جامعات في العالم.

كان خطاب جامعة بنسلفانيا موقعا باسم (البروفيسور دكتور دونالد فتس - نائب رئيس قسم الكيمياء في الجامعة) .. والمفاجأة التي كانت في انتظار د. أحمد زويل، أن الخطاب فيه إعفاء كامل من أية مصاريف دراسية.

ليس هذا فقط، وإنما الجامعة ستدفع له مصروفا سنويا بقيمة ٢٧٠٠ دولار، هذا المبلغ وقتها يعد رقما محترما جدا في سنة كاملة.

بالإضافة إلى، من بين باقة الدعم في خطاب الجامعة للشاب المجتهد النابغة الأول على دفعته، القادم من دمنهور ثم الاسكندرية .. أية مصروفات إضافية ستتحملها الجامعة عن البحوث الصيفية، وأنه طالما كان طالبا يدرس لديهم فهذه المنحة لن يتم قطعها .

قام دكتور احمد زويل كما يقول في مذكراته: " أنه قرأ الجواب ده ١٢ مرة .. وقال كنت مستعدا أن أسافر حالا وأبدأ تجهيز نفسي، لكن للأسف كان هناك قواعد جامعية بيروقراطية مصرية، تقول لا يمكن أن أسافر بعد الحصول على درجة الماجستير إلا بعد انقضاء سنتين بالتمام والكمال.

يقول أن الذي غاظه هو أن المنحة الأمريكية هذه مدفوعة بالكامل ولن تكلف الحكومة المصرية أية مصاريف، إذذن لماذا لا يمكنني السفر في الحال؟؟؟

 تعليق : نتكلم هنا عن البيئة البيروقراطية في مصر التي تقتل فرص النجاح.

كان في انتظار دكتور أحمد زويل مفاجأة أشد وطأة .. ففي قسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة الإسكندرية، قيل له بالحرف" الجواب ده كأنه مجاش" .. كاد الدكتور أحمد زويل أن يجن ويفقد عقله.. فقد شرحوا له بكل بساطة أن لوائح الجامعة لا يوجد بها أي شيء يتعلق بـ "المنح الشخصية المباشرة" .. هذا أمر مرفوض أن تقوم جامعة بنسلفانيا ببعث خطاب باسمك ؟!، يجب أن تبعثه موجها من جامعة بنسلفانيا إلى جامعة الإسكندرية وطبقا للوائح الجامعة تقرر نشوف من يستحق المنحة !

أصبح د. أحمد زويل في حيرة عجيبة كل العجب وأمام أزمة مفتعلة من لاشئ .. بيئة بيروقراطية مصرية أصيلة.

قام الدكتور احمد زويل بإرسال خطابا يشرح فيه أبعاد الأزمة للدكتور روبن المشرف عليه حالما يصل أمريكا، د. روبن تفهم البيروقراطية المصرية ووافق وقال له سأرسل الخطاب الجديد من جامعة بنسلفانيا لجامعة الإسكندرية لكن لابد أن توضح لهم أن المنحة هذه وافقت عليها جامعة بنسلفانيا بعد مراسلات متبادلة بين طالب اسمه احمد زويل .. وأي ترشيح لأحد أخر سيكون مرفوضا "ويتم إلغاء المنحة".

بعد ذلك انقلبت الأمور لكوميديا ساخرة. . قام دكتور زويل بالتوجه لواحد واحد من أوائل الدفعة في قسم الكيمياء بعلوم الإسكندرية يشرح لهم الموقف من أجل حصوله على تنازلا مكتوبا من واحد واحد ، من أجل أن يكون شخص واحد فقط أمام إدارة الجامعة هو المرشح للمنحة.

بعد معاناة مع إدارة الجامعة حصل على توقيع نائب رئيس الجامعة بالموافقة على سفره للمنحة الدراسية المجانية في جامعة بنسلفانيا.

خاتمة :

إن النجاح يحتاج لبيئة تساعد الناجح أنه ينجح .. بيئة توفر أدوات النجاح وتدعم الناجح ، ليحقق المستحيل.